في غرفة الاجتماعات، كان جهاز العرض جاهزًا، وأصوات نقرات الأصابع المتوترة على طاولة الاجتماع تملأ الغرفة. الجميع يتمسك بأكواب القهوة كما لو كانت طوق نجاة، منتظرين بفارغ الصبر دخول أبي خالد، المدير.
بعد أن تأكد مصطفى، المساعد الشخصي، من حضور الجميع، نهض بهدوء وأبلغ رئيسه. لأبي خالد طقوسه الخاصة، كأن الشمس لا تشرق قبل أن يظهر وجهه البشوش في القاعة.
دخل أبو خالد بخطوات واثقة، وصبّح على الجميع بصوته الجهوري المليء بالإثارة، لدرجة أنك قد تعتقد أننا على وشك الإعلان عن تحالف سري مع كائنات فضائية لحل مشاكل الأرض. قال لنا بحماس "لدينا مبادرة رائدة ستغير قواعد اللعبة في المنظمة. ستجعل إدارتنا حديث الساعة!". بعد سنوات من "المبادرات الرائدة" التي تذوب في أوراق التقارير، تعلمنا أن نستمع دون أن نخترق جدران واقعنا.
بدأ أبو خالد في الحديث، دون أن يكلف نفسه عناء تشغيل جهاز العرض، وكأن كلماته وحدها كافية لتأخذنا في رحلة ملحمية نحو إنجازات لا تُنسى. أخذنا بكلماته شرقاً وغرباً حتى فقدنا الاتجاه.
كل حديثه كان عبارة عن كلمات مثل "سنعمل على توحيد القدرات الوظيفية المتعددة لدفع حلول قابلة للتطوير" و "تعزيز كفاءاتنا الأساسية وثقافة الابتكار القوية". كانت مجرد حفنة من الكلمات التي جُمِّعَت بعناية لتبدو وكأنها تعني شيئًا، مرتبة بأسلوب يوحي بالأهمية، لكنها في الواقع لا تختلف عن أصوات الضجيج التي تصدره أجهزة التلفاز القديمة.
نظرت حولي إلى الوجوه التي كانت تحيط بي، فرأيت عيونًا زجاجية تعكس إحساسًا مشتركًا بالتيه والملل. إلا فهد، ذلك المتملق، كان يهز رأسه بحماس مع كل كلمة يتفوه بها أبو خالد. وعندما انتهى أبو خالد من عباراته المبهمة، قفز فهد إلى المشهد وكأنه كان ينتظر لحظته الذهبية، وقال "هذا هو بالضبط ما نحتاجه للاستفادة من إمكاناتنا نحو تحول نموذجي قابل للتطوير!". كان أداؤه مسرحيًا لكنه لم يفاجئ أحدًا.
لم أتمالك نفسي، فملت نحو إسماعيل، وهمست له "أقطع يدي من مكانها إذا كان هذا المتملق يفهم حرفًا مما يقوله أبو خالد، أو حتى مما يقوله هو شخصيًا!".
أمينة، الزميلة الدقيقة، رفعت يدها بحذر، وسألت "أبا خالد، ما المقصود بتآزر القدرات الوظيفية؟ هل يعني ذلك أننا سنندمج مع الفرق الأخرى في الفروع أم أن الأمر يتعلق بتعاون أوثق بين الأقسام المختلفة؟". التفتنا جميعاً نحو أبي خالد، بانتظار إجابة قد لا تأتي أبداً.
"بالضبط، أمينة. إنه عن التآزر الوظيفي الذي يقودنا نحو تكامل أكبر وتعاون مثمر بين جميع الفرق، لتحقيق التميز!" هكذا قالها أبو خالد بثقة، وكأنه قدّم حلاً سحريًا لجميع التساؤلات.
لكن على عكس ما كان يأمل، بدت علامات الحيرة تتعمق على وجه أمينة. "أفهم ذلك،" قالت وهي تعقد حاجبيها "لكن كيف بالضبط؟ كيف سيحدث هذا التكامل؟ هل سنغير الهياكل التنظيمية، أم أن هناك أدوات معينة سنتبناها؟"بدأ التوتر يتسلل إلى أبي خالد، الذي كان يأمل تجنب هذا النوع من التفاصيل. "لا تقلقي يا أمينة، دعونا نركز الآن على المبادئ الأساسية، وسنترك التفاصيل للمناقشات القادمة". لكن نبرته لم تكن بالثقة المعتادة؛ كانت أشبه بمحاولة للهروب من مأزق.
سؤال أمينة لم يكن مجرد محاولة بريئة لفهم ما يجري، بل كان بمثابة مرآة تعكس بوضوح كيف أن الإفراط في استخدام الكلمات الرنانة والعبارات الجوفاء يمكن أن يؤدي إلى تآكل التواصل الفعّال داخل الفريق.لكن عوضا عن تقديم توضيح، رد أبو خالد بنفس العبارات الغامضة، كأنه يعتقد أن التكرار سيجعل المعنى يظهر من تلقاء نفسه. في تلك اللحظة، تأكدنا أن أبا خالد ربما كان يتظاهر بالثقة، بينما هو ضائع مثلنا.
طارق، ذلك الروبوت البشري المهووس بالتفاصيل التقنية، استفسر من أبي خالد عن كيفية تحقيق "الحلول القابلة للتطوير" باستخدام البرامج القديمة التي ما زلنا نعتمد عليها، وكأنما كان يحمل دبوسًا ليُفجّر تلك الفقاعة التي كنا نطفو بداخلها.
بهذا السؤال، انحرف مسار الاجتماع تمامًا، إذ تحول من حيرة غير موجهة إلى نقاش له وجهة واضحة، نحو الحضيض! بدلاً من استكشاف آفاق جديدة، وجدنا أنفسنا نغرق في مستنقع التحديات التقنية التي كان الجميع يتجنب النظر إليها حتى تلك اللحظة.
يمكن القول إن هذه هي الفائدة الكبرى لوجود طارق في مثل هذه الاجتماعات. طارق، وبدون قصد، رمى "كرسي في الكلوب" كما يقول المصريون، ليخرجنا من هذا الجدل الذي كنا نتخبط فيه دون جدوى!
بعد خمس عشرة دقيقة من الفوضى التي أشعلها طارق بسؤاله، قرر أبو خالد أن يضع حدًا للاجتماع، قال بنبرة جادة "حسناً، حان وقت التشمير عن الساعدين وتحقيق الأهداف". ثم خرج مسرعاً، كما لو كان يخشى المزيد من النقاش، وكشف المزيد من الثغرات.
هبَّ فهد من مقعده بسرعة "أبو خالد، دقيقة من وقتك!"، وكأن تلك الدقيقة ستكون كافية لِلَعقِ حذاء أبي خالد بكل ما يملكه من براعة.
بعد مغادرتهم، تنفس الجميع الصعداء. قال إسماعيل بنبرة ساخرة "والآن، ماذا نفعل؟ من منكم سَيفُكُّ طلاسم هذا المشعوذ؟".
سعود، الذي لم يكن مستعدًا لإضاعة دقيقة أخرى، بدأ بجمع أغراضه، وقال بنبرة عملية "ما يريده هو أن نقوم بتحديث محتوى موقع المنظمة على الشبكة الداخلية، لأن عبارة 'تجديد الصفحة الرئيسية' لم تعد جذابة بما يكفي".
غادر سعود بسرعة، بينما قام إسماعيل من كرسيه، واقترب من طارق، وأمسك رأسه الكبير من الجانبين، وطبع قبلة على جبينه قائلاً "شكرًا لك يا توكورو، أيها الروبوت الأعجوبة. لقد أنقذتنا اليوم". طارق، المسكين، ظل جالساً في مكانه، يحاول أن يفهم كيف انتهى الاجتماع بهذا الشكل.
لا أرى بأساً في استخدام المصطلحات الفنية عند الحاجة، لكن يجب أن نتذكر أن الهدف الأساسي من التواصل هو نقل الأفكار بوضوح، وليس إبهار الآخرين بمفردات معقدة.
هذه المصطلحات الرنانة في المنظمة أصبحت تشبه إلى حد كبير صيحات الموضة. تبدأ بحذر، وتُستخدم في اجتماعات خاصة، لكن سرعان ما تصبح شائعة ومبتذلة. تمامًا كما تتحول حقيبة يد غوتشي الحصرية إلى نسخة مقلدة تُباع في الأسواق الرخيصة.
في نهاية المطاف، تتحول هذه المصطلحات إلى مادة للسخرية بين الموظفين. وتصبح أسماء المديرين مستوحاة من كلماتهم المفضلة. أو يفعلوا مثل مازن الذي قرر أن يضع على مكتب مديره صاحب مصطلح "الفواكه المتدلية"، سلة من الفواكه الفاخرة.
وأخيرًا، وفي خضم التحليل الشمولي لبيئات العمل الديناميكية المعاصرة، حيث تكافح المنظمات لتعزيز التكامل الوظيفي من خلال تطبيق استراتيجيات متقدمة لتحفيز التحول النموذجي، تجدون أنفسكم محاصرين في دوامة قد تترككم في حالة من التردد والغموض، تتساءلون عن المعنى الحقيقي لهذا الهراء الذي أتفوه به الآن؟
لكن الحقيقة، كل ما كنت أريد أن أقوله هو أني أدعوكم إلى التفاعل، ومشاركة قصصكم وتعليقاتكم حول الكلمات الرنّانّة التي تواجهونها في منظمتكم، وكيف تتعاملون معها.